عندما نشر أندريه جيد “اللاأخلاقي” L’Immoralisteسنة 1902، تم اعتبار صدور هذا العمل حدثا ثقافيا بارزا في حياة الكاتب الذي حاز على جائزة نوبل للآداب سنة 1947، والمعروف بقوله المأثور: “إنه بالعواطف الجميلة ننتج أدبا سيئا”(C’est avec les beaux sentiments qu’on fait de la mauvaise littérature).
وقد أثار صدور هذا الكتاب نقاشا حول تصنيفه ضمن الأجناس الأدبية المعروفة، بين الرواية والقصة والسيرة الذاتية. وفي المحصلة، تم اعتبار إصدار “اللاأخلاقي”، سردا بصيغة الفرد المتكلم.
نعود إلى محمد شكري، كاتب” الخبز الحافي” و”زمن الأخطاء”. وهما مؤلفان يصنفهما النقاد والقراء في جنس السيرة الذاتية، وهما نصان سرديان بصيغة الفرد المتكلم. وما كتبه الكاتب الكبير محمد شكري، ليس ملكا لأحد، بل هو إرث أدبي مرموق، يحق للمغاربة والمشارقة وسائر البشرية، أن تقرأه وتعيد قراءته، وتنتقده وتقيمه وفق زوايا مختلفة. ولا نحتاج إلى التذكير، بأن ما كتب عن شكري في أروقة الجامعات العريقة في العالم، وفي أشهر المجلات والمنشورات المتخصصة.
و”اللآأخلاقي” هو اللعنة التي كانت تطارد محمد شكري ،على امتداد حياته الإنسانية و الإبداعية ، والتي تولت شرطة الأخلاق ، و الآداب بكل تلويناتها السلطوية و الثقافية إدانته و ملاحقته بها أنى حل و ارتحل ، لا لشيء، إلا لأنه أخذ على عاتقه مسؤولية إسقاط أقنعة أجهزة الرقابة، كي تظهر على حقيقتها بوجوهها البشعة ،التي تنخرها ديدان الانحراف، و تنهشها كل أصناف المسخ و العاهات اللاإنسانية التي لا صلة لها بأي اعتبار أخلاقي أو بشري.
و بحكم انتماء شكري إلى تلك الشرائح المجتمعية المقهورة، التي تعاني الأمرين من كيد هذه الأجهزة، و التي لا أثر في دمها لأية قطرة من الأخلاق المفترى عليها، كان من الطبيعي أن يتصدى لها بالفضح و التشهير، عبر تكريس طاقاته الإبداعية لغاية أساسية تتمثل في تشريح طويتها الشريرة والحربائية بمشرط النقد و التنديد، كي تظهر عارية و مكشوفة أمام عيان كل من يرى، و أمام كل من يكتفي بالسماع.
أيضا بحكم العناد المبدئي الذي جبل عليه كاتب كبير من عيار محمد شكري، فإنه أصبح ملزما بالتصالح مع لعنة “اللآأخلاقي ” ما دامت و سيلته الوحيدة، و الأخيرة، لتحقيق الحق الأدنى من العدالة، من خلال الإصرار على مطاردة هؤلاء و أولئك المتخصصين في المتاجرة بالقيم الأخلاقية.
وبحكم اقتناع اللجنة المنظمة، بأن المكانة الاستثنائية التي تحظى بها أعمال محمد شكري على المستوى العالمي، تعود أصلا لهذه المطاردة اللآأخلاقية التي تتزعمها إلى يومنا هذا، كائنات غارقة حتى الأذنين في مستنقعات الفساد و الزيف و الانحراف، فإنها آلت إلا إن تضع هذه الكائنات أمام مرآة اللآأخلاقي ، كي تتأكد من تآكل و بؤس قناعها الآيل للسقوط.