باحثين إمكانية لملمة تشظيات المجتمع المغربي بعد تعدد هزات السنوات الأخيرة، طرح الباحثون المغاربيون أحمد عصيد ويوسف الصديق وأمين الزاوي ومحمد جبرون تصوراتهم لأدوار المثقف في ترميم شظايا الحياة، ضمن فعاليات مهرجان “تويزا” المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة.

اللقاء، الذي جاء مساء اليوم الأحد، اتفق فيه المتدخلون على وجود أزمات اجتماعية وسياسية وعاطفية تترصد بالمواطن المغربي، زيادة على الصعوبات الكثيرة التي خلفها فيروس “كورونا” على عدة أصعدة.

أحمد عصيد، الباحث والحقوقي، أكد أن العنوان، الذي اختارته دورة مهرجان “تويزا” هذه السنة “مازال على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، يبرز بالملموس ثقل العامين السابقين، لكن لا بد من التشبث بالأمل والقيم الإنسانية النبيلة العليا واعتبارها نبراسا في مسار كل مثقف.

وأقر عصيد بوجود تشظ كبير نتيجة تجارب سياسية محبطة عاشتها المنطقة، إضافة إلى التوترات الاجتماعية والأزمات على مستوى الفكر والمفاهيم، مشيرا إلى أنه خلال هذه اللحظات يبرز دور المثقف بشكل كبير جدا، وفي مقدمة المهام الآن البحث عن المعنى.

وسجل المتحدث أن المثقف يقوم ببناء المعنى في الأذهان، ويستطيع الوصول إلى أين يسير الواقع واستشراف الآتي، مشددا على ضرورة تحليه الدائم بالحس النقدي، وأن يتحيز للإنسان، ويتجاوز هذا التشظي والاكتئاب الذي ولدته فترة جائحة “كورونا”.

في السياق ذاته، قال الكاتب التونسي يوسف الصديق إن سؤال التشظي يتموقع قبل جدلية الإيمان والإلحاد والعلمانية والتدين، متسائلا عن كيفية التعامل مع المعنى انطلاقا من البديهيات. وتابع “منذ خمسين سنة وأنا أبحث في هذه المسألة، لكنني لست صاحب رأي فيها إلى حدود اليوم”.

وأوضح الصديق أن سؤال المعنى في المنطقة يعيقه كذلك عدم القدرة على دخول النص الديني بحميمية، مسجلا أن ما يجري الآن مجرد ترتيل وتلاوة وليس قراءة للنص على الإطلاق، مطالبا بضرورة بداية الاطلاع على النصوص بشكل شجاع.

هذه الشجاعة تنطلق من اعتبار النص ندا وقابلا للتفكيك، وإن لم يكن هذا فالجميع سيكتفي بميكانيكية الترتيل، معتبرا أن هذا المشكل يتسبب في التأخر ولا بد من استدراكه والانكباب الجاد على تفكيك النصوص بالشكل المطلوب، يشير الكاتب التونسي.

من جهته، اشترط الروائي الجزائري أمين الزاوي على المثقف من أجل ترميم المجتمع أن يرمم ذاته أولا، فهي من ستعطيه القوة للملمة شظايا المجتمع، الذي يعيش سياقات مفككة عاطفيا واقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، ومن أجل ترميم الذات يقترح الزاوي القراءة والمتابعة.

واعتبر الزاوي المثقف حاملا لنبوءة لكن دون وحي، فهو يخلقها من اجتهاداته وتأويلاته، منبها إياه من الإعلام المشوه للصورة وبيع الموقف والفكرة. وسجل أن المثقف دائما ما يلعب في مربع الخطر والنار، ومهمته أن يرفع سقف الحرية إلى أعلى نقطة ممكنة، من خلال الجرأة وحاسة النقد.

وأكد المتحدث أن المثقف مصنوع كذلك من الاستفزاز الإيجابي، فرغم أن الجاهل يرى الأمر سلبيا، فإن المثقف بذلك يمارس دوره في طرح الأسئلة المقلقة. وزاد أن “المثقف كذلك يقوم بالسياسة، لكنه ليس سياسيا، بل هو مشتغل على مفاهيم أخرى تدرس المدى البعيد للأمور عوض التكتيكي والموسمي”.

وأوضح الزاوي أن مهمة المثقف هي التدخل من أجل الترميم ويجب عليه الالتزام بأمور عديدة، من بينها المسافة مع السلطة من أجل ضمان النقد والدفاع عن الديمقراطية والحريات ثم العدالة الاجتماعية والاختلاف في الرأي والدولة المدنية والعلمانية وحرية النساء.

محمد جبرون، الأستاذ الباحث في التاريخ، أشار إلى أن الثقافة كانت أكبر قطاع متضرر خلال جائحة “كورونا”، مسجلا وجود سوء فهم كبير بين المثقف والجمهور، فهو يريده دائما أن يكون على هواه سياسيا وثقافيا، لكن هل هذه هي وظيفة المثقف؟.

واعتبر جبرون أن من مهام المثقف الانحياز إلى قيم العدالة، منتقدا في معرض حديثه طغيان المثقف الإيديولوجي في مجتمعات المنطقة، مما جعل الأمر يتجه نحو حديث مع الذات أكثر من المجتمع الذي ينتمي إليه.

وأبرز المتحدث في مداخلته أن دور المثقف كذلك هو إعطاء المعنى للحياة عوض التنفير منها، رافضا المقاربات التي تعتبر الدين عائقا ومشكلا، وتابع قائلا: “الدين حل والمشكل يكمن في بعض أشكال التدين”.

هسبريس